منتدى روضة مجمع البحرين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى روضة مجمع البحرين

ساحة الشيخ محمد الطيب الحسانى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التصوف ومنزلته من الفكر الاسلامى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الدسوقى

ابراهيم الدسوقى


عدد المساهمات : 308
تاريخ التسجيل : 13/10/2011
العمر : 48
الموقع : دشنا

التصوف ومنزلته من الفكر الاسلامى  Empty
مُساهمةموضوع: التصوف ومنزلته من الفكر الاسلامى    التصوف ومنزلته من الفكر الاسلامى  I_icon_minitimeالأحد أكتوبر 16, 2011 11:34 pm

التصوف ومنزلته من الفكر الإسلامي
قراءة في مذاهب الصوفيين واتجاهاتهم


هشام خالدي
المركز الجامعي بالمدية

لا ريب أن التصوف الإسلامي قد ظُلم في كثير من قراءات الناس له، ربما بسبب المصطلح - كما يذكر البعض - أو ربّما بسبب صراع بعض الاتجاهات الفكرية له وهو ما أشاع عنه أنه وافد ليست الحياة الإسلامية بحاجة إليه، فضلا عن أنه مُبتدع، تسبب في إبعاد ذويه عن الإسهام الحضاري وعن الارتباط بالأصول الشرعية.
وقد عرف تاريخ الفكر الإسلامي اتجاهات لنقد التصوف بعضها من داخله لتصحيح المسار، وبعضها من خارجه - وهو بيت القصيد - ذهب أهل هذا الأخير مذاهب، أحدها مدح حتى الأخطاء، وسوّغها بالتأويل، وثانيها غض طرفه عن كل حسن في هذا التراث، فلم ير فيه إلا كلّ خلل وفساد، وانطلق من حالات فردية إلى حكم عام وموقف شامل، وثالثها توسّط، لكنه لم يكن على شهرة السابقين.
وقد عانى الفكر الصوفي من المذهبين الأوليين، بل وحجب الكثير من الحقائق عن الناس، الأمر الذي جعل كثيرا من العلماء والباحثين قديما وحديثا ينادون بضرورة التزام منهج وسط بين الرفض المطلق والقبول المطلق.
الصوفية ومؤرخي التصوف وموقفهم من التصوف كعلم :

1-السراج الطوسي :
قامت محاولات السراج الطوسي على أساس توحيد الفقه والتصوف، واعتبارها علما واحدا، ويرى هذا المؤرخ الصوفي أن الفقه قائم على الرواية، أما التصوف فهو قائم على الدراية. ولا يجوز - في رأيه - أن يجرّد القول في العلم : على أنه ظاهر أو باطن، لأن العلم متمركز في القلب فهو باطن فيه إلى أن يجري ويظهر1.
ويستمر السراج الطوسي في تأكيد قيام العلمين جنبا إلى جنب مستمدا ذلك من قول الله وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً فالنعمة الظاهرة هي فعل الطاعات، والنعمة الباطنة هي ما أنعم الله بها على القلب من الأحوال والمقامات. ولكن لا يستغني الظاهر عن الباطن، ولا الباطن عن الظاهر. فالفرق إذن بين الفقه والتصوف هو في الوسيلة فقط. وقد قال الإمام مالك : " من تفقه في الدين ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوّف ولم يتفقّه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق ".

2-الشعراني :
وقد تنبه الشعراني أيضا إلى كل ما ذكره السراج الطوسي، وذلك حين جعل طريق الصوفية مشيدا بالكتاب والسنة. وهنا يقول عبد الوهاب الشعراني : "إن علم التصوف عبارة عن علم إنقدح في قلوب الأولياء حين استنارت بالعمل بالكتاب والسنة. فكل من عمل بهما إنقدح له من ذلك علوم وآداب وأسرار وحقائق تعجز الألسن عنها، نظير ما انقدح لعلماء الشريعة من الأحكام حين عملوا بما عملوه من أحكامها... فمن جعل علم التصوف علما مستقلا صدق، ومن جعله من عين أحكام الشريعة صدق...".2
ونجد عند الشعراني اتجاها جديدا لم نجده من قبل عند السراج الطوسي، وذلك حين أقام نوعا من التمييز بين معنى التوحيد عند المعتزلة كفرقة كلامية وعند الصوفية. ولاشك في أن الاهتمام بالشريعة وأحكامها والعمل بها، هو فيصل التفرقة بين الإيمان والزندقة في الطريق إلى الله عند الصوفية فالشريعة عندهم هي الباب الموصلة إلى الحقيقة تأكيدا لقوله تعالى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا فلا باطن بدون ظاهر ولا حقيقة بدون شريعة. ولا يخرج مؤرخو الطبقات الصوفية الذين جاؤوا في الفترة الواقعة بين وفاة الطوسي والشعراني على الاهتمام بهذا الاتجاه الديني السليم، ومنهم الكلاباذي والقشيري وابن خلدون وغيرهم.

3- الكلاباذي :
يشير الكلاباذي إلى أنواع مختلفة من العلوم الإسلامية، ويجعل للصوفية علما خاصا انفردوا به دون سواهم، هو علم المكاشفات والمشاهدات وعلم الخواطر مع اهتمامهم بعلم الأحكام الشرعية من أصول الفقه وعلم المعاملات فيقول : "إن علوم الصوفية علوم الأحوال، والأحوال هي مواريث الأعمال، ولا يرث الأحوال إلا من صحح الأعمال وأول تصحيح الأعمال معرفة علومها وهي علم الأحكام الشرعية."3 وعليه فإنه يضع القواعد والأسس التي يجب على العبد أن يلتزم بها حتى يصل إلى علم الخواطر والمشاهدات والمكاشفات الخاصة بالصوفية والتي انفردوا بها دون غيرهم من فرق المسلمين وتقسيم الطريق الصوفي عنده إلى أقسام ثلاثة :
1-علم الحكمة، 2- علم المعرفة، 3- علم الإشارة.

4 - أبو نعيم الأصبهاني :
أما أبو نعيم الأصبهاني فقد تابع ما ذكره الكلاباذي حين يؤكد أن المتصوفة المتحققة في حقائقهم قد بنوا علمهم على أركان أربعة :
أ- معرفة الله تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله.
ب- معرفة النفوس وشرورها ودواعيها.
ج- معرفة وساوس العدو ومكائده وخصاله.
د- معرفة الدنيا وغرورها وتفتينها وتلوينها وكيفية الاحتراز منها والتجافي عنها.

5 - أبو القاسم القشيري :
يعتبر القشيري أهم مؤرخ صوفي دافع عن منزلة التصوف ومكانته في الفكر الإسلامي فلم تكن رسالته في علم التصوف إلا للرد على أعداء الصوفية وبيان قواعد التصوف وأركانه وإرجاعه إلى أصوله الأولى التي كانت سمة الصوفية الأوائل، وهنا يقول القشيري : "فارتحل عن القلوب حرمة الشريعة واستخف بعض من ادعى التصوف بأداء العبادات بل ركنوا إلى اتباع الشهوات وقلة المبالاة بتعاطي المحظورات".4وبعد أن يميز القشيري بين الصوفية المخلصين لعقيدتهم والمتمسكين بالكتاب والسنة، وهؤلاء الذين يدعون ويزعمون انهم أعلم من الواصلين أصحاب الأحوال والمقامات والكشف والعرفانت، بعد هذا كله يضع لنا أصول التصوف وقواعده وهو ما أفاض القول فيه.

6 - ابن خلدون :
أما ابن خلدون فقد عقد لنا فصلا ممتازا في كتابه القيم "المقدمة" سماه " علم التصوف" تحدث فيه عن أهمية التصوف ونشأته وكذا منهجه وقواعده، فيقول عن علم التصوف : "هذا العلم من علوم الشريعة الحادثة في الملة وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف والعبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها..."6 وهذه المواجد التي تحدث عنها ابن خلدون هي الأحوال والمقامات والحال عنده نتيجة لمجاهدة المريد وعبادته.

7 - فخر الدين الرازي :
يعتبر فخر الدين الرازي المؤرخ الوحيد الذي اعتبر الصوفية فرقة خاصة، كما قال هو عن نفسه وحجته في ذلك أن الصوفية تمتاز بشيء في الأصول تختلف عن بقية الفرق الإسلامية، فأهل السنة والجماعة يرون أن الطريق لمعرفة الله هو السمع، وفرق المعتزلة وبعض الفرق الأخرى ترى أن ذلك الطريق هو العقل، أما الصوفية فترى أن الطريق لمعرفة الله هو التصفية والتجرد من العلائق البدنية للوصول إلى مرتبة الكشف، وقد أفرد الرازي في كتابه "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين" بابا خاصا للصوفية هو "الباب الثامن في أحوال الصوفية" وهذه الفرق هي :
الأولى : أصحاب العادات : وهم قوم منتهي أمرهم وغايته تزيين الظاهر كلبس الخرقة وتسوية السجادة.
الثانية : أصحاب العبادات : وهم قوم يشتغلون بالزهد والعبادة مع ترك سائر الأشغال.
الثالثة : أصحاب الحقيقة : وهم قوم إذا فرغوا من أداء الفرائض لم يشتغلوا بنوافل العبادات بل بالفكر وتجريد النفس عن العلائق البدنية.
الرابعة : النورية : وهم طائفة يقولون أن الحجاب حجابان نوري وناري، أما النوري فهو الاشتغال باكتساب الصفات المحمودة كالتوكل والشوق والتسليم والمراقبة والأنس والوجد والحال، وأما الناري : فالاشتغال بالشهوة والغضب والحرص والأمل لأن هذه الصفات نارية.
الخامسة : الحلولية : وهم طائفة من هؤلاء القوم الذين ذكرناهم يرون في أنفسهم أحوالا عجيبة، وليس لهم من العلوم العقلية نصيب وآخر يتهمون أنهم قد حصل لهم الحلول أو الاتحاد فيدعون دعاوى عظيمة.
السادسة : المباحية : وهم قوم يحفظون طاعات لا أصل لها، وتلبيسات في الحقيقة، وهم يدعون محبة الله، ويخالفون الشريعة ويقولون إن الحبيب رفع عنا التكليف.6

8 - ابن سينا :
ولم يفت ابن سينا أن يشير إلى مقامات العارفين، فقد أفرد في كتابه "الإشارات والتنبيهات" النمط التاسع خاصا بهذه الناحية ويجب أن يعتز الصوفية بشهادة ابن سينا، إذ يقول : "إن للعارفين مقامات ودرجات يخصون بها وهم في حياتهم الدنيا دون غيرهم، فكأنهم في جلابيب من أبدانهم قد نفوها وتجردوا عنها إلى عالم القدس، ولهم أمور ظاهرة يستنكرها من ينكرها ويستكبرها من يعرفها".
ويقسم ابن سينا الطريق الصوفي أقساما ثلاثة حين يقول :
1 - المعرض عن متاع الدنيا وطيباتها يخص باسم "الزاهد".
2 - والمواضب على فعل العبادات من القيام والصيام ونحوهما يخص باسم "العابد".
3 - والمنصرف بفكره إلى قدس الجبروت مستديما لشروق نور الحق في سره، يختص باسم "العارف".
وهكذا تختلف في أمر الصوفية أنظار المؤلفين الإسلاميين الباحثين في الفرق، وقد نجد أن الصوفية فرق من الفرق الإسلامية وقد ورد ذلك في كتاب الفهرست لابن النديم وفي كلام الغزالي، فقد جعل ابن النديم المقالة الخامسة من كتابه خاصة بالحياة الروحية وسماها "السياح والزهاد والعباد والمتصوفة المتكلمين على الخطرات والوساوس".7 وأشار الغزالي في كتابه "المنقذ من الظلال" إلى أصناف الطالبين للحق وهو أربع فرق: المتكلمين، الباطنية، الفلاسفة، ثم المتصوفة.
وعقد ابن حزم بعد ذلك في الجزء الرابع فصلا عنوانه : "ذكر شنع لقوم لا تعرف فرقهم" قال فيه : " ادعت طائفة من الصوفية أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل"، وقالوا : إننا نرى الله ونكلمه وكل ما قذف في نفوسنا فهو حق". وسار على منهج الأشعري عبد القادر بن طاهر البغدادي في كتاب "الفرق بين الفرق".
وجُملة القول أن المؤلفين الذين عرضوا لحصر الفرق قد عنوا غالبا بالنظر إليهم من ناحية نجاتهم أو هلاكهم متأثرين في ذلك بأمرين: أحدهما الحديث المشهور الذي ينبئ أن الأمة الإسلامية ستفترق اثنين وسبعين فرقة أو ثلاثة وسبعين كلها في النار إلا واحدة، والأمر الثاني : هو الميل إلى المنازع الصوفية أو بُغضها وكرهها، وهذا النقص لاحظه فخر الدين الرازي المتوفى سنة 606 هـ، وتداركه في كتابه "اعتقادات فرق المسلمين والمشركين".8
وابتكر رجال المتصوفة طرقا عملية أخرى اتبعت مناهجَ وأساليب مختلفة في تربية مريديها، ويمكن أن نقول أن طرق الصوفية كثيرة جدا يصعب حصـرها إذا ما لاحظنا جانـب السـرية الذي يكتنف بعضها، واهم تلك الطرق هي :

الطريقة القادرية : مؤسسها الشيخ عبد القادر الكيلاني المعروف بأبي محمد محيـي الدين عبد القادر بن موسى بن عبد الله الكيلاني، ويعرف جده بالاسم الفارسي "جنكي دوست" عرف بالكيلاني نسبة إلى مسقط رأسه "كيلان" بفارس وذلك سنة 470 هـ، وفي سنة 488 هـ انتقل إلى بغداد أثناء خلافة "المستظهر بالله العباسي".

الطريقة الرفاعية : مؤسسها احمد بن علي بن أحمد الرفاعي، ولد سنة 512 هـ، بقرية حسني بإقليم البطائح ما بين البصرة وواسط، وقيل أن الرفاعي نسبة إلى رفاعة أحد البطون القبلية، كان خاله شيخا للطريقة الصوفية، وقد أخذ عنه وأصبح المسؤول عن الرفاعية، توفي ببلدة "أم عبيدة " سنة 578 هـ، ودفن فيها، وله مسجد معروف في القاهرة باسمه.

الطريقة المولوية : مؤسسها جلال الدين محمد بن محمد بن الحسين الملقب بالبلخي نسبة إلى مسقط رأسه، ولد سنة 604 هـ، وانتقل إلى نيسابور ثم إلى بغداد واستقر بمدينة قونية التركية أبان حكم الأمير علاء الدين السلجوقي، وهذه الطريقة شائعة بين الأتراك، وكانوا عند الأذكار يجتمعون في حلقات فيرقصون بلباسهم الخاص، ويستخدمون الطبول الإيقاعية، ولا يزال لهذه الفرقة وجود في تركية ودمشق وإيران.

وهناك طُرق صوفية معروفة عند متصوفة الهنود أهمها :
الطريقة الجشتية : للشيخ معين الدين حسن السنجري المتوفَّى سنة 627 هـ، ومدارها على الذكر الجلي بحفظ الأنفاس، وربط القلب بالشيخ، وصفاء المحبة والتعظيم، والدخول في الأربعينات، مع دوام الصيام والقيام وتقليل الكلام والطعام والمنام، والمواظبة على الوضوء.

طريقة النقشبندية : للشيخ بهاء الدين محمد نقشبند البخاري، ومدارها على تصحيح العقائد ودوام العبادة، ودوام الحضور مع الحق سبحانه.

طريقة السهروردية : للشيخ شهاب الدين عمر السهروردي، ومدارها على توزيع الأوقات على ما هو اللائق بالناس من الصيام والقيام والمواظبة على الأدعية المأثورة والأوراد.

طريقة الكبروية : للشيخ نجم الدين أبي الجناب احمد بن عمر بن محمد الخوارزمي المعروف بالكُبري.

طريقة المدارية : للشيخ بديع الدين المدار المكنبوري، ومدارها على التماشي من مخالفة ظاهر الشريعة، وإنشاء أسرار التوحيد في الدرجة القصوى.

طريقة القلندرية : للشيخ قطب الدين العمري الجونبوري المشهور ببنادل.
طريقة الشطارية : للشيخ عبد الله الشطار الخراساني.

طريقة العيدروسية : تنسب للسيد عفيف الدين العيدروس الكبير، ومدارها إحياء العلوم للغزالي.

ثانيا : التجرد في القراءة والاستقلال الفكري
ذلك أن الدخول على فكر ما بفكرة سابقة في رأس القارئ يحرمه الموضوعية في الحكم، ويجعله لا يرى فيما يقرأ إلا ما يشهد لفكرته التي في رأسه، ويلجئه هذا المنهج إلى تأويل ما يراه على غير ما يهوى إلى ما يؤيد فكرته، حتى ولو خالف أظهر قواعد التفكير ومناهج البحث، فالذي يقرأ فكر المعتزلة وفي رأسه حكم الفقهاء عليهم، ووصف أهل السنة لهم بأنهم المعطّلة في الصفات، تراه لا يلتفت إلى أثرهم في الحياة العقلية، ولا إلى ما عُرف عن شيوخهم من عبادة وصلاح، الأمر الذي يتناقض مع ما أشيع عنهم أنهم معطلة يعبدون عدمًا، بل ولا يلتفت إلى جهودهم في مناظرة اليهود والنصارى ودفاعهم عن الإسلام ضد المارقين.
وقد كان الأمر كذلك في قراءة البعض للتصوف الإسلامي ؛ حيث قرءوه لإدانته أولاً وقبل كل شيء ؛ ولذلك وقعوا في فجاجة لا يقبلها منطق، ولا يقرها المحققون من العلماء. ونشير إلى أمثلة وقعت في التعميم وربما التناقض نتيجة للقراءة من موقف محدد سلفاً، فابن الجوزي "أبو فرج عبد الرحمن (ت 597 هـ)" الفقيه الحنبلي هاجم التصوف في مواطن شتى من كتبه، وكان جماع هجومه في كتابه "تلبيس إبليس"، ولا يعنينا هنا الهجوم أو المدح بقدر ما يعنينا أن ابن الجوزي في مسلكه هذا الذي عمم فيه الحكم على التصوف ورفضه شكلاً ومضمونا، وجرح كل الكتابات التي كُتبت من فقهاء صوفية كالجنيد أو المحاسبي أو المكي أو الغزالي أو المقدسي، وجردهم جميعاً من العلم بالسنة - أقول : هذا المسلك - مع ما فيه من تعميم لا يوافقه عليه أشد الناس سلفية وهو شيخ الإسلام ابن تيمية - يظهر تناقضاً واضحاً ؛ فهو من جهة يذكر أن أوائل الصوفية كانوا يعوّلون على الكتاب والسنة فكيف يجوز التعميم على كل الصوفية كما وضح في كتابه سالف الذكر؟ وهو من جهة أخرى له كتاب ترجم فيه للعديد من أوائل الصوفية وشيوخهم، وفيه ينقل الكثير من أقوالهم التي تفيد العلم الذي نفاه عنهم في كتابه "تلبيس إبليس"، فضلا عن اتهامهم بكثير من التهم، فكيف يُقبل هذا ؟!
وهو من جهة ثالثة عرف عنه - من خلال دراسة علمية عنه - أنه راضَ نفسه في مستهل حياته على ممارسة حياة الزهاد والإمعان في التقشف، لكنه سرعان ما عدل عن السير في هذا الطريق، ونسب ما اعتراه من مرض إلى هذا الأسلوب من الحياة. أعني أنه عرف القوم عن كثب، وكان هذا يقتضي أن يفرّق بين الملتزمين منهم، والذين اندسوا في وسطهم وكانوا مثالا رديئاً ينبغي التحذير منه.
ولقد حاول بعض الباحثين أن يفسر هذا الموقف بأنه دخول على التصوف بفكرة سابقة وهي أن ابن الجوزي فقيه حنبلي متشدد، وقد رأى التصوف علما مستقلا عن الفقه له سمته الذي يُعْنى فيه بكيفيات وبواطن ظواهر الأحكام الفقهية، وهذه نظرة جديدة من هؤلاء القوم، جعلت ابن الجوزي ينظر إلى التصوف على أنه مخالف للسنة الدقيقة، ونحن لا نرى في الحنبلية والتشدد السبب الحقيقي، بقدر ما نرى أنه يبني نظرته إلى التصوف من خلال فهمه الخاص للسلفية، إذ الحنبلية والتشدد لم يمنعا ابن تيمية ولا ابن القيم من أن ينصفا من يستحق الإنصاف من شيوخ التصوف.
أما المعاصرون الذين قرءوا التصوف بعيون غير موضوعية فكثيرون من جهة، وأمرهم عجيب من جهة أخرى، فهذا أحدهم يسقط رغبته في تجريح التصوف على كتابات بعض العلماء ويؤولها إلى ما يريد هؤلاء لا ما يريد المؤلف؛ فكتاب "مصرع التصوف" الذي نُسب إلى برهان الدين البقاعي (ت 885 هـ) كان أصله كتابين مستقلين : أحدهما في تكفير ابن عربي، والآخر في تكفير ابن الفارض، فجاء عبد الرحمن الوكيل وجمعهما في كتاب واحد سماه "مصرع التصوف" وأضاف إليه من العناوين ما يحقق به هدفه هو، علما بأن البقاعي قد ذكر صراحة تقديره لأوائل الصوفية، بل ولمتأخريهم الذين لم يذهبوا مذهب ابن عربي، ومنهم علاء الدين البخاري (834 هـ). كما ذكر البقاعي أنه لا يبغض التصوف لكنه يبغض من أبغضه الصوفية ومحققو متأخريهم ممن حاد عن الطريق السوية. والغريب أن محقق الكتاب عاب على المؤلف إنصافه وإقراره أن الصوفية فقهاء، فقال معلقا على المؤلف : "هذه دعوى كذوب".
ولا عجب فقد قال محقق رسالة الصوفية والفقراء لابن تيمية : "لا يا شيخ الإسلام"، مبينا أن التصوف هو الداء الفتاك بهذه الأمة، وأنه عدو التوحيد، ونقيض الإيمان، وما ذلك إلا لأن المحقق كان يريد ألا يقع ابن تيمية في هذا الإنصاف للمحققين من الصوفية، وكان يريد أن يكون كما يهوى هو، وإلا رد قوله كما سبق.
ومن المعاصرين كذلك نجد من يبدأ تعريفه للتصوف بقوله "والتعريف الصحيح للتصوف الإسلامي بأحكام وعظية لا ترتبط فيها النتائج بالمقدمات"، ولكن لأن الرجل كتب الكتاب خدمة لفكرة ما في رأسه أو في رأس غيره فقد أداره على محور التعميم والسب دون دليل يمكن أن يقنع أحدا، فضلاً عن أن يفيد منه.
أما عن ضرورة الاستقلال الفكري فذلك لأن المتابع دون وعي مستقل إمّعة يحسن إذا أحسن الناس، ويسيء إذا أساءوا، وهذه صفة من ليس يملك فكراً مستقلاً، ولا يمكن لقارئ بهذه الصفة أن يقدم جديداً، أو يقترح مفيدا، وحسبنا أن نشير إلى أن هناك قضايا أثارها المستشرقون بخصوص مصدر التصوف وأخذه من غير الإسلام أصوله، وكانوا في هذا خاضعين لعوامل عديدة، بعضها خاص بما لم يكن تحت أيديهم من تراث للصوفية غير فكرهم بعد هذا، وبعضها خاص بقضية التأثير والتأثر التي كانت رائجة في الدراسات الإنسانية في فترة ما.
وقد تابع بعض العرب والمسلمين آراء المستشرقين دون نقد أو تمحيص فقالوا بعدم إسلامية التصوف ؛ جرياً وراء غيرهم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتأصيل ولو علموا أن بعض المستشرقين رجع عن رأيه في قضية "أجنبية مصادر التصوف" بعد أن توافرت له بعض النصوص الصوفية، ولو قرءوا دراسات المدققين من علماء العصر الذين ذكروا خصائص للتصوف الناضج في كل دين، تبعد قضية التأثير والتأثر عن مكانها الذي كانت قد تسنمته في الدراسات الإنسانية - أقول لو قرءوا هذه البحوث الدقيقة لما قبلوا متابعة غيرهم ولحرصوا على استقلالهم الفكري.
وحين يفقد الباحث استقلاله تجده يتابع دون تدقيق، ودون بصر بعواقب ما يقول، بعداً عن المنهجية، أو تضييعاً لتراثٍ له ما له وعليه ما عليه. يقول أحدهم: "وفي رأي الدكتور زكي مبارك التصوف : مجموعة من الأفكار الإسلامية والنصرانية واليهودية، أو هو الخلاصة الروحية من تلك الديانات الثلاث. أما التصوف في رأينا فهو طريقة زهدية في التربية النفسية، يعتمد على جملة من العقائد الغيبية (الميتافيزيقية) مما لم يقم على صحتها دليل في الشرع ولا في العقل"، فانظر كيف جرّ عدم الاستقلال البعضَ إلى أن يقول ما يناقض حقائق ومسلمات في مجال البحث في التراث الصوفي !
وعليه فمعالجتنا لتراثنا بعامة يحتاج إلى جهد في ناحيتين اثنتين :
الأولى : ناحية تكشيفه وفهرسته بشكل عام حتى يتسنى لنا معرفة ما فيه وبخاصة أن كثيرًا من علمائنا كانوا يكتبون بطريقة شمولية، فيتعرضون لمباحث داخل كتبهم لمناسبة ما، قد لا يدل عليها أو يسيء بها عنوان الكتاب ذاته.
الثانية : ناحية قراءته قراءة منهجية تبتعد عن الحكم السابق مدحًا نتيجة مذهبية أو انبهارا أو ملاحظة وقدحًا نتيجة لسبب أو لآخر من الأسباب غير الموضوعية، وتقصد إلى التعرف الحق على مكنون هذا التراث مقدرة أننا وأصحابه أبناء حضارة واحدة، بيننا قواسم مشتركة، ومن الممكن أن يكون بيننا بعض الاختلاف الدائر في ساحة الاجتهاد، والمستند إلى ظروف العصر ومستجدات الحياة وهو ما يسمح به سمت وخصائص التفكير الحر في الإسلام.
وعلينا ونحن نقرأ تراثنا أن نقدر الفرق بين نص استمد قداسته من الوحي والعصمة، وفكر يجوز عليه الصواب والخطأ لأنه جهد بشري محكوم بقوانين الحياة البشرية في قابليتها للتغير والتعديل والاستدراك. والتراث الصوفي باعتباره جزءًا من تراث حضارتنا يتحتم فيه هذا وأكثر لأنه إلى جانب ما ذكرنا قد ظلم التصوف، وأصيبت كثير من الأحكام المتعلقة به بالتعميم أو الغموض، الأمر الذي يحبذ القراءة المنهجية كي نصل إلى تحديد ووضوح، فلا نلقي بالأحكام جزافًا، ولا نتهم لأدنى ملابسة.

الهوامش :
1- اللُمع : السراج الطوسي، تحقيق وتقديم، عبد الحليم محمود طه عبد الباقي سرور، القاهرة، 1960، ص 43.
2- الطبقات الكبرى : الشعراني (عبد الوهاب بن احمد بن علي)، ط القاهرة، ج1، ص 4.
3- التعرف لمذهب أهل التصوف : الكلاباذي (أبو بكر محمد بن إسحاق النجاري)، نشر وتصحيح آرثر جون آربدي، ط القاهرة 1933، ص 58.
4- الرسالة في علم التصوف : القشيري (أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن)، ط القاهرة، ص 2 - 3.
5- المقدمة : ابن خلدون (عبد الرحمن بن محمد) ت، علي عبد الواحد وافي، ط القاهرة، 1957، ص 1063.
6- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين : فخر الدين الرازي، مراجعة وتحرير على سامي النشار، ط القاهرة 1938، ص 1 - 16.
7- الفهرست : ابن النديم (محمد ابن إسحاق)، ط القاهرة، ص 274 و278.
8- مقالة (الصوفية والفرق الإسلامية)، مقدمة كتاب (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين) لفخر الدين الرازي، مراجعة وتحرير علي سامي النشار، ط القاهرة 1938، ص 1 - 16.

المصدر: موقع حوليات التراث. بتصرف
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://arena1-net.yoo7.com/
 
التصوف ومنزلته من الفكر الاسلامى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كيف نقرأ كتب التصوف؟
» تعريف التصوف والصوفى
» ماذا قال العقاد عن التصوف ؟
» أقوال العلماء فى التصوف
» كلمة في إصلاح التصوف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى روضة مجمع البحرين  :: حقيقة التصوف-
انتقل الى: